فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)}.
استفَهام في معنى النفي، أي لا يستوي البصير والضرير، ولا المقبول بالمردود بالحجبة، ولا المُؤَمَّل بالتقريب بالمُعَرَّض للتعذيب، ولا الذي أقصيناه عن شهودنا بالذي هديناه بوجودنا. إنما يتَّعِظُ مَنْ عقله له تشريف، دونَ مَنْ عقله له سببُ إقصاءً وتعنيف.
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20)}
الوفاء بالعهد باستدامة العرفان، والوفاء بشرط الإحسان، والتوقيِّ من ارتكاب العصيان- بذلك أُبْرِمَ العقدُ يوم الميثاق والضمان.
وميثاقُ قومٍ ألا يعبدوا شيئًا، وميثاق قومٍ ألا يسألوا سواه.
{وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)}
الذين يَصِلون الإيمان به بالإيمان بالأنبياء والرسل.
ويقال الذين يصلون أنفاسَهم بعضًا ببعض؛ فلا يتخلَّلُها نَفَسٌ لغير الله، ولا بغير الله، ولا في شهود غير الله.
ويقال يَصِلُون سَيْرَهم بِسُرَاهم في إقامة العبودية، والتبرِّي من الحول والقوة.
وقوله: {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: الخشية لجامٌ يُوقفُ المؤمنَ عن الرَّكْضِ في ميادين الهوى، وزِمامٌ يَجُرُّ إلى استدامة حكم التُّقَى.
وقوله: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} هو أن يبدو من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ}.
الصبر يختلف باختلاف الأغراض التي لأَجْلِها يصبر الصابر، فالعُبَّاد يصبرون لخوف العقوبة، والزهاد يصبرون طمعًا في المثوبة، وأصحاب الإرادة هم الذين صبروا ابتغاء وجهِ ربهم؛ وشرطُ هذا النوع من الصبر رَفْضُ ما يمنع من الوصول، واستدامةُ التوقي منه، فيدخل فيه ترك الشهوات، والتجردُ عن جميع الشواغل والعلاقات، فيصبر عن العِلَّةِ والزَّلةِ، وعن كل شيءٍ يشغل عن الله.
ومما يجب عليه الصبر الوقوفُ على حكم تَعزُّزٍ الحق، فإنَّه- سبحانه- يتفضِّل على الكافة من المجتهدين، ويتعزز- خصوصًا- على المريدين، فيمنحهم الصبر في أيام إرادتهم، فإذا صَدَقُوا في صبرهم جَادَ عليهم بتحقيق ما طلبوا.
قوله جلّ ذكره: {وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيةً}.
الأغنياء ينفقون أموالَهم. والعُبَّاد ينفقون نفوسَهم ويتحملون صنوف الاجتهاد، ويصبرون على أداء الفرائض والأوراد. والمريدون ينفقون قلوبهم فيسرعون إلى أداء الفرائض والأوراد ويصبرون إلى أن يبوحَ علم من الإقبال عليهم. وأمَّا المحبون فينفقون أرواحَهم.. وهي كما قيل:
ألستَ لي خَلَفًا؟ كفى شَرَفًا ** فما وراءًكَ لي قَصْدٌ ومطلوبُ

قوله جلّ ذكره: {وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيْئَةَ أُوَْلئِكَ لَهُمُ عُقْبَى الدَّارِ}.
يعاشرون الناس بِحُسْنِ الخلُق؛ فيبدأون بالإنصاف ولا يطلبون الانتصاف، وإِنْ عَامَلَهم أحدٌ بالجفاء قابلوه بالوفاء، وإِنْ أذنب إليهم قومٌ اعتذروا عنهم، وإن مرضوا عادوهم.
{جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
يتم النعمة عليهم بأن يجمع بينهم وبين مَن يُحبون صحبتهم مِنْ أقاربهم وأزواجهم، وقد ورد في الخبر: «المرءُ مع مَنْ أَحَب» فَمَنْ كان محبوبُه أمثالَه وأقاربَه حُشِرَ معهم، ومَنْ كان اليومَ بقلبه مع الله، فهو غدًا مع الله، وفي الخبر: «أنا جليسُ مَنْ ذكرني» وهذا في العاجل، وأمَّا في الآجل، ففي الخبر: «الفقراء الصابرون جُلَسَاءُ الله يومَ القيامةِ». اهـ.

.تفسير الآية رقم (25):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما للناجين، ذكر مآل الهالكين فقال: {والذين ينقضون عهد الله} أي الملك الأعلى فيعملون بخلاف موجبه؛ والنقض: التفريق الذي ينفي تأليف البناء.
ولما كان النقض ضارًا ولو كان في أيسر جزء، أدخل الجار فقال: {من بعد ميثاقه} أي الذي أوثقه عليهم بما أعطاهم من العقول وأودعها من القوة على ترتيب المقدمات المنتجة للمقاصد الصالحة الدالة على صحة جميع ما أخبرت به رسله عليهم الصلاة والسلام والتحية والإكرام؛ والميثاق: إحكام العقد بأبلغ ما يكون في مثله: {ويقطعون ما} أي الشيء الذي: {أمر الله} أي غير ناظرين إلى ما له من العظمة والجلال، وعدل عن أن يوصله لما تقدم قريبًا فقال: {به أن يوصل} أي لما له من المحاسن الجلية والخفية التي هي عين الصلاح: {ويفسدون} أي يوقعون الإفساد: {في الأرض} أي في أيِّ جزء كان منهم بوصل ما أمر الله به أن يقطع اتباعًا لأهوائهم، معرضين عن أدلة عقولهم، مستهينين بانتقام الكبير المتعال.
ولما كانوا كذلك، استحقوا ضد ما تقدم للمتقين، وذلك هو الطرد والعقاب والغضب والنكال وشؤم اللقاء، فقال سبحانه وتعالى: {أولئك} أي البعداء البغضاء: {لهم اللعنة} أي الطرد والبعد: {ولهم سوء الدار} أي أن يكون دارهم الآخرة سيئة بلحاق ما يسوء فيها دون ما يسر. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}
اعلم أنه تعالى لما ذكر صفات السعداء وذكر ما ترتب عليها من الأحوال الشريفة العالية أتبعها بذكر حال الأشقياء، وذكر ما يترتب عليها من الأحوال المخزية المكروهة، وأتبع الوعد بالوعيد والثواب بالعقاب، ليكون البيان كاملًا فقال: {والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ ميثاقه} وقد بينا أن عهد الله ما ألزم عباده بواسطة الدلائل العقلية والسمعية لأنها أوكد من كل عهد وكل يمين إذ الأيمان إنما تفيد التوكيد بواسطة الدلائل الدالة على أنها توجب الوفاء بمقتضاها، والمراد من نقض هذه العهود أن لا ينظر المرء في الأدلة أصلًا، فحينئذ لا يمكنه العمل بموجبها أو بأن ينظر فيها ويعلم صحتها ثم يعاند فلا يعمل بعمله أو بأن ينظر في الشبهة، فيعتقد خلاف الحق والمراد من قوله: {مِن بَعْدِ ميثاقه} أي من بعد أن وثق الله تلك الأدلة وأحكمها، لأنه لا شيء أقوى مما دل الله على وجوبه في أن ينفع فعله ويضر تركه.
فإن قيل: إذا كان العهد لا يكون إلا مع الميثاق فما فائدة اشتراطه تعالى بقوله: {مِن بَعْدِ ميثاقه}.
قلنا: لا يمتنع أن يكون المراد بالعهد هو ما كلف الله العبد، والمراد بالميثاق الأدلة المؤكدة لأنه تعالى قد يؤكد إليك العهد بدلائل أخرى سواء كانت تلك المؤكدة دلائل عقلية أو سمعية.
ثم قال تعالى: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} وذلك في مقابلة قوله: {والذين يَصِلُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} [الرعد: 21] فجعل من صفات هؤلاء القطع بالضد من ذلك الوصل، والمراد به قطع كل ما أوجب الله وصله ويدخل فيه وصل الرسول بالموالاة والمعاونة ووصل المؤمنين، ووصل الأرحام، ووصل سائر من له حق، ثم قال: {وَيُفْسِدُونَ في الأرض} وذلك الفساد هو الدعاء إلى غير دين الله وقد يكون بالظلم في النفوس والأموال وتخريب البلاد، ثم إنه تعالى بعد ذكر هذه الصفات قال: {أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللعنة} واللعنة من الله الإبعاد من خيري الدنيا والآخرة إلى ضدهما من عذاب ونقمة: {وَلَهُمْ سُوء الدار} لأن المراد جهنم، وليس فيها إلا ما يسوء الصائر إليها. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}
هذه صفة حالة مضادة للمتقدمة. وقال ابن جريج في قوله: {ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل} إنه روي: إذا لم تمش إلى قريبك برجلك ولم تواسه بمالك فقد قطعته. وقال مصعب بن سعد: سألت أبي عن قوله تعالى: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا} [الكهف: 103-104] هم الحرورية؟ قال: لا ولكن الحرورية: {هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض} وأولئك هم الفاسقون، فكان سعد بن أبي وقاص يجعل فيهم الآيتين.
و{اللعنة}: الإبعاد من رحمة الله ومن الخير جملة. و: {سوء الدار} ضد: {عقبى الدار} [الرعد: 23] والأظهر في: {الدار} هنا أنها دار الآخرة، ويحتمل أنها الدنيا على ضعف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والذين ينقضون عهد الله}
قد سبق تفسيره في سورة [البقرة: 27].
وقال مقاتل: نزلت في كفار أهل الكتاب.
قوله تعالى: {أولئك لهم اللعنة} أي: عليهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ}
لما ذكر الموفين بعهده، والمواصلين لأمره، وذكر مالهم ذكر عكسهم.
نقض الميثاق: ترك أمره.
وقيل: إهمال عقولهم، فلا يتدبرون بها ليعرفوا الله تعالى.
{وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} أي من الأرحام.
والإيمان بجميع الأنبياء.
{وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض} أي بالكفر وارتكاب المعاصي: {أولئك لَهُمُ اللعنة} أي الطّرد والإبعاد من الرحمة.
{وَلَهُمْ سواء الدار} أي سوء المنقلَب، وهو جهنم.
وقال سعد بن أبي وقّاص: والله الذي لا إله إلا هوا إنهم الْحَرُورِية. اهـ.